July 22, 2011

عن شارع المعز وشماعة الثورة

Posted in Arabic, Places, Reflections, Slang at 10:50 pm by Rou...

إمبارح كنت بحضر ندوة في وكالة الخروب… للي ما يعرفش، وكالة الخروب في شارع متفرع من شارع المعز ما بين جامع الأقمر و بيت السحيمي… ويا ريتني ما رحت… مش عشان الندوة… الندوة كانت أكتر من رائعة كعادة صديقي العزيز جداً و أبي الروحي محمد الرزاز… ولكن يا ريتني ما رحت لأن دي كانت أول مرة أروح شارع المعز من شهور وصدمتي في اللي شفته كانت أكبر من قدرتي على الإستيعاب…

شارع المعز من أحب الأماكن لقلبي… يمكن لأنه كان من أوائل أماكن القاهرة الإسلامية اللي حضرت فيها جولات من أوائل 2004 ومن بعدها عملت فيه جولات لأصدقاء… يمكن لأني ياما مشيت الجزء الشمالي منه قبل الترميمات الأخيرة و ياما مشيت في وسط تلال من الأتربة والحفر أثناء الترميمات واللي لما أخيراً خلص وتمت إضاءته بالشكل الرائع ده في 2008 وإتحول لشارع مشاة فقط، كنت هطير من السعادة وكنت في إنتظار حار إن الجزء الجنوبي منه وأماكن تانية في القاهرة الإسلامية زي شارع الصليبة والسيوفية و صحراء المماليك وغيرهم يبتدي الإهتمام بيهم كمان…


لكن الحقيقة إن إمبارح أنا ماكنتش في شارع المعز… إمبارح أنا كنت ماشية في سويقة…

عربيات من الإتجاهين قافلين الشارع وكلاكسات وموتوسيكلات وعربيات بضاعة راكنة وناس مش عارفة تمشي خطوتين على رجلها… منظر أسوأ من اللي كان فيه الشارع زمان قبل الترميمات… مهزلة بكل المقاييس…
آخر شئ في الدنيا كان ممكن أتوقعه أو أستناه، إني أشوف اللي أنا شفته ده بعد الثورة…

المشكلة كمان إن الناس مش حاسة إن في حاجة غلط… وعدم الإحساس بالغلط ده في حد ذاته كارثة يمكن تكون أكبر حتى من الغلط نفسه… واللي يضايق كمان لما تسمع تعليقات زي: “هو ده اللي خدناه من الثورة”… ولما ترد تقول إن الغلط مش بس من الناس اللي دخلت بعربياتها ولكنه كمان من الأمن اللي ساب مدخل باب الفتوح اللي كان ممنوع دخول العربيات منه مفتوح، يردوا يقولولك: “مش هو ده اللي كنتوا عايزينه… هو ولا تدخل الشرطة عاجب ولا لما سابوهالكوا عاجب؟”…

أنا فعلاً مش عارفة إيه الحل… مش قصدي بس حل لشارع المعز… ولكن كمان حل للناس… لطريقة تفكيرهم وبحثهم الدائم على شماعة يعلقوا عليها غلطهم…
هل الناس مش حاسة إن دي حاجتهم فبيهملوها…؟ طيب لو هي كدة، إيه اللي ممكن نعمله عشان نزرع جوة الناس إحساسهم بملكيتهم للمكان فيحافظوا عليه…؟ هل ننزل في حملات تشرح تاريخ المكان مثلاً لقاطنيه…؟
لكن التعدي الصارخ على المكان ماكانش بس من أصحاب المحلات بعربياتهم أو اللي ساكنين هناك بموتسيكلاتهم… كان كمان من ناس جاية تزور المكان…

يا ريت لو أي حد عنده إقتراح للي ممكن نعمله إحنا كأشخاص، غير إننا نحاول نوصل الموضوع للإعلام، يقول…
خلينا نفكر مع بعض بطريقة إيجابية… عشان أنا لسة مؤمنة إن بكرة أحلى… بينا…

في 22 يوليو 2011

أيام النوافذ الزرقاء

Posted in Arabic, Books - Fav. Selections, Books Reviews at 12:50 am by Rou...

شدني كثيراً عنوان الرواية… فدائماً ما كانت ترتبط في ذهني النوافذ الزرقاء بحكايات جدتي عن أيام الحروب… فمن الحرب العالمية الثانية لعدوان 56 و من بعدهما النكسة، يظل العامل المشترك أبداً ودائماً هي الشرفة ذات النوافذ الزرقاء التي دائماً ما كانت تترك ذلك الأثر النفسي بداخلها، أنها تعيش كابوس لا يرحل عنها إلا برجوع النوافذ لشفافيتها… كذلك هو الحال مع جدة بطل الرواية السلسة جداً “أيام النوافذ الزرقاء”، التي كانت دائما ما تتذمر قائلة “روحي ها تتطلع” بسبب تحول لون الضوء الطبيعي إلي اللون الأزرق…

من خلال حديث شخصي ممتد بطول الرواية يأخذنا الكاتب عادل عصمت من تفصيلة لأخرى في رحلة تعرف و إكتشاف لتضاريس العالم الذي نشأ فيه من خلال ذكرياته عن أشخاص و أشياء… فمن الجدة إلى علبة الخياطة (علبة حلويات شركة كورونا) الملازمة لها، تتحول كل تفصيلة من شئ عابر إلي دلالات مهمة… ربما كان ذلك لأن البطل كان مهدداً بالعمي في صغره فكان لزاماً عليه أن يلاحظ التفاصيل ويختزنها في ذاكرته حتى إن جاء اليوم الذي يفقد فيه بصره يكون عنده صورة ذهنية كاملة للأماكن و الأشخاص و حتى الأشياء…

يتناول الكاتب – من خلال ذكريات طفولته وحكايات خاله – الواقع السياسي والإجتماعي لمدينة طنطا بشكل خاص ومصر بشكل عام في الفترة منذ نكسة 67، وحتى ما بعد إنتصار 73… فنتعرف معه على قصة مدينة و زمن وعلاقات إجتماعية وعائلية تحتل فيها الجدة مركز الأحداث والذكريات واضعة مسحة من الحزن و الشجن لن يفارقوك طوال صفحات الرواية… فالنوافذ الزرقاء هي علامة الحرب من النكسة ومروراً بحرب الإستنزاف التي أستشهد فيها الخال فؤاد وعاد منها الجار سامي وهو يهذي، والتي من وقتها وارت الجدة أحزانها على موته وهجرة إبنها الآخر نبيل برتق الملابس… وحين تخفي جارتها علبة الخياطة أخيراً، نستشعر إقتراب ميعاد رحيل الجدة عن عالمنا…

يحكي البطل عن خاله محمود قائلاً: “أصمت لأنني كنت أهدد في تلك اللحظة البناء الذي أقام عليه حياته. فهو يظن أنه يقيم بتلك الأفكار الشخصية ستاراً، روحاً فريدة لكي يبرر لنفسه إستمراره في حياة خالية…”، فتشعر على الفور أنه يصف خواء حياته هو في المدينة الخليجية الباردة التي يسكنها، نفس الخواء… وكما كانت الجدة تواجه الشدائد برتق الملابس، يواجه البطل الخواء بصورة جدته التي تسيطر عليه تماماً ويزداد حضورها في أحلامه…

عن الموت والرحيل يقول:

“بقيت غير قادر على تصديق أن ذلك الموت كان حقيقياً. كان رحيلاً، أمراً إختيارياً، لذا ففي أي لحظة يمكن أن يعود ذلك المسافر. ترسبت في وعي ذلك الصبي الذي كنته، تلك الفكرة بطريقة نهائية، لم أعد الآن قادراً على محوها، لم يعد أمامي غير إختلاق الأسباب والتفسيرات لها. أحياناً أجد نفسي متورطاً في إيجاد أساس عقلي لهذا الشعور الذي إستقر في وجداني وغدا مثل شعوري بالحياة. أجد نفسي أفكر: ألست بعد خمسة عشر عاماً في الشارقة مسافراً بالنسبة لخالي محمود، ماذا لو مت ولم يعرف بموتي، ألا أظل إلى الأبد مسافراً بالنسبة له؟ في أي لحظة يمكن للمرء أن يقطع سفره ويعود إلى موطنه، مثلما تعود جدتي في أحلامي بكثافة هذه الأيام، لتعزز فكرة أن الموت مجرد سفر. ألم يظل خالي نبيل مسافراً بالنسبة لها حتى موتها، وهو الآن في ألمانيا، لو لم يعرف خبر موتها ألا تكون بالنسبة له حية؟ وفي نهاية الأمر أليست روحها موجودة في مكان ما من هذا العالم، يمكن أن أصل إليها أو تصل إلي؟ ما الذي يجعلنا متيقنين على هذا النحو الساذج من وجودنا في العالم، وأن من رحلوا غير موجودين؟ أليست الصور القديمة لحياتين أكثر عقلانية وأشد إلتصاقاً بمشاعرنا عن الموت؟”

إن أيام النوافذ الزرقاء هي رحلة حنين لماضي ولى و محاولة إستعادته وفهمه لإضفاء معني علي خواء الحياة، وهي رحلة بحث عن الأمل بين غيمات اليأس…

رحاب رجائي

في 19 يوليو 2011