January 2, 2013

إمام ومفتش وظابط… في الخانكة!

Posted in Arabic, Places, Reflections, Revolutionary and Politician, Slang at 9:56 pm by Rou...

بدأنا أنا وعاليا رحلات إستكشافية لأماكن قريبة نوعاً ما من القاهرة وفيها آثار إسلامية (بحكم إهتماماتنا، لكن فيها كمان آثار قبطية و بقايا آثار فرعونية).. القليوبية كانت محطة اليوم، وبما إننا رحنا قبل كدة القناطر الخيرية وشبرا الخيمة، فالدور المرة دي كان على الخانكة و قليوب وبنها… لكن الحقيقة اللي عايزة أحكي عنه تحديداً هي مغامرتنا في الخانكة… وماقدرش أسميها إلا مغامرة… لأن هناك، في جامع الأشرف، بدأت المغامرة اللي إنتهت في القسم…

الخانكة
الخانكة.. المدينة اللي شُيدت من أجل نذر سلطاني وإتسمت نسبة إلى خانقاة الناصر محمد بن قلاوون اللي بناها في المكان الحالي للمدينة، واللي بمرور الزمن إتحرف نطقها لحد ما وصل للإسم الأكثر شيوعاً الآن: الخانكة… مدينة فقيرة وحزينة… مكان ممكن يكون أهله بيعيشوا ويموتوا من غير ما يخرجوا برة شوارعه الضيقة المهملة.. مايعرفوش حياة غير اللي عايشينها والأكثر إيلاماً إنهم مايتخيلوش ومايستوعبوش إن في حياة آدمية كريمة هي من أبسط حقوقهم… شوارع ماتسيبش جواك إلا إحساس بالمرارة من حجم الفجوة بين المصريين، وحقيقة مُرّة بتأكد واقع أمَرْ؛ الحرية والكرامة رفاهية ماينفعش تلوم الناس على عدم مطالبتهم بيها طول ما هم مهمومين إزاي يجيبوا قوت يومهم وقوت عيالهم…

جامع الأشرف برسباي
أول (وآخر مكان الحقيقة) عرفنا نوصله بداخل المدينة كان جامع الأشرف برسباي… وهو كعادة كل ما بناه السلطان الأشرف أكثر من رائع وفيه كل خواص العمارة المملوكية، ويقال – والتاريخ بيعيد نفسه في نفس المكان – إن جامع الأشرف كمان إتبنى وفاءً لنذر آخر… أول من قابلنا في الجامع كان إتنين عاملين هناك.. رحبوا بينا جداً من غير ما يسألوا كالمعتاد إحنا مين وتبع إيه وإلخ… فتحوا الشبابيك اللي كانت مقفولة وورونا بقايا الفوارة في الساحة الخلفية للجامع… وقالولنا إن كلها ساعة ومفتش الآثار ييجي… قلنا في عقلنا هايل جداً عشان نتكلم معاه ونعرف معلومات أكتر م اللي عندنا… لأن، عادة، بحكم شغلهم في مناطق معينة بيكون عندهم حكاوي ممكن مانلاقيهاش بسهولة في الكتب… بدأنا جولتنا في المكان… ما بين الصحن المكشوف وعرايس السما اللي باينة منه وجمال رواق القبلة… تنسى الوقت…

إمام الجامع
في ناس محاربين بالفطرة؛ مابيستسلموش لظروف حياتهم وضغط المجتمع عليهم وبيحاولوا يسيبوا أثر.. أي أثر…
ده كان كل اللي على بالي وأنا بسمع حديث إمام الجامع، وهو شيخ أزهري إسمه صلاح مفتاح، اللي قابلناه بالصدفة بعد ما خلصنا جولتنا جوة الجامع… وهو شخص مُبهِر بمعنى الكلمة… حكاوي مالهاش نهاية عن تاريخ المكان؛ بداية بتاريخ المدينة والسلطان، مستشهداً في وسط كلامه بكتب ومراجع، ونهاية بتاريخ الجامع وتفاصيل موجودة فيه وراهالنا ماكناش هنعرفها لوحدنا زي السرداب اللي عمقه 4 متر تحته (واللي لدهشتنا قال لنا إن في سرداب زيه تحت جامع السلحدار في شارع المعز عمقه 15 متر واللي عمرنا ما سمعنا عنه رغم زياراتنا المتكررة لجامع السلحدار قبل كدة) .. فاجئنا في نهاية الحديث إنه كاتب كتاب عن المكان (تكرم وإدالنا نسخة منه) إسمه (مدينة الخانكة؛ كشف الأستار ولفت الأنظار حول تاريخها وما بها من آثار)*، وبعدها فتحلنا الباب للسطح وسابنا ومشي… شكرناه وطلعنا نكمل جولتنا فوق السطح والمئذنة في صحبة مجموعة من أطفال المنطقة اللي طلعوا ورانا… وبعد ما خلصنا نزلنا… وكانت المواجهة…

مفتش الآثار
سبحان الله.. فيه ناس بتحب تخلق المشاكل من لا شئ… ماتعرفش بيعملوا كدة لإنها طبيعتهم ولّا لأن تربيتهم في بلد بتقهر كل اللي عايش فيها علمتهم يقهروا الناس لو في إستطاعتهم…
لما نزلنا من السطح إتجهنا للباب عشان نكمل جولتنا في المدينة… باب الجامع رائع في حد ذاته ومزين بحلي من النحاس مصنعة بشكل جميل جداً… وأنا خارجة وقفت عشان آخد له صور في إضاءة أفضل من اللي أخدتها أول ما وصلنا… وتقريباً دي كانت آخر حاجة عملتها… لأن فجأة وبدون أي مقدمات ظهر مفتش الآثار الهُمام عشان يؤدي عمله الأهم في الوجود؛ العكننة على خلق الله! بدأت مرحلة إستجواب عجيبة وصراخ هستيري بإن التصوير ممنوع ولازم إذن من وزارة الآثار… الحقيقة إني أنا ما بسكتش طالما الحق معايا… وأنا الحق معايا مليون المية لأن مافيش أي علامة بتقول إن ممنوع التصوير… واجهته بده، فبدأ الكلام منه ومن موظف تاني معاه إن ده جامع وأثر.. يعني ممنوع التصوير!! شوف المنطق يا أخي!! ردينا إنه بالعكس ده عشان ده أثر من حقنا نصوره أنا مش رايحة أصور واحد في بيته فمحتاجة إذن… وصل الحديث في الآخر لإن واحد منهم قاللي إحنا بقى بنحط القوانين بمزاجنا… قلت له حلو جداً، يبقى أنا محتاجة أولاً أشوف كارنيهك اللي بيثبت إنك مسئول عن الأثر ده وثانياً إسمك عشان أبلغ الواقعة لوزارة الآثار (للأسف ماقدرتش أعرف أسماؤهم الإتنين)… طبعاً واجهنا الرفض والإستنكار إننا عايزين نشوف الكارنيه… إستمر جدال طويل عريض إنتهى بذهابنا للقسم لأنهم عايزين يعملوا مذكرة وإحنا عايزين نعمل شكوى…

ضابط الشرطة
صعب تصدق إن مصر فيها ضباط محترمين لحد ما تقابل واحد… في قسم الخانكة كان في واحد من الناس اللي بعد ما يتكلم تبقى عايز تقول له ربنا يكتر من أمثالك!
في البداية دخلنا لملازم تاني أعتقد إنه الضابط المسئول عن تحرير المحاضر… حكينا اللي حصل وهم حكوا اللي حصل وكان أول سؤال من الضابط هل في يافطة متعلقة في المكان بتمنع التصوير… الإجابة لأ… المهم الكلام من هنا لهنا… الضابط قال نمسح الصور اللي ممكن توقعه في ضرر من الكاميرا زي لو في صور تصدع في المبنى أو زبالة… قلناله له أولاً إحنا مش بصور الأماكن عشان نبين مساوئها، بالعكس… ثانياً كلمة ضرر دي واسعة جداً، اللي حضرتك تشوفه ضرر أنا ممكن أشوفه جزء من الأثر… ثالثاً إحنا مافيش علينا غلط من الأساس لأن مافيش حاجة بتقول إن التصوير ممنوع فإحنا مش هنمسح الصور… ماوصلناش لحاجة من الكلام فالمفتش كتب المذكرة، بعدها الضابط كلم حد واضح إنه رتبة عالية وحكاله في التليفون وبعدين قال ننزله… دخلنا أوضة كبيرة قاعد فيها شخص برتبة عميد إداله الضابط المذكرة… وهنا كانت البداية…
الراجل قال كل اللي كنا عايزين نقوله… كلام في الصميم كله هجوم على فكرة إن إيه يثبت من الأصل إنه مسئول عن المكان وليه مايوريش الكارنيه، وإن المفتش بيحط قوانين من مزاجه، وإن لو دي تعليمات الوزارة لازم تتحط جوة الأثر… وإن مش من حقه يقدم مذكرة يظلم فيها مواطنين طالما مش مؤدي واجبه.. وفي الآخر طلب منه يكلم مديره في التليفون قدامه… لما وصل لمديرته بعد محاولات كلمها العميد في التليفون وشرحلها إن دول إتنين جايين من القاهرة مخصوص وبيصوروا وإن مافيش ضرر حصل… وبعدها طلب من الضابط الصغير يعمل محضر إداري يثبت فيه الواقعة ومشينا…
يا سيادة العميد مجدي الحسيني يوسف، أشكرك لأنك بني آدم بيفكر مش ح.. حاجة تانية!

إنعاكاسات أوائل العام الجديد
منبهرة بإمام الجامع ومتخيلة شخص بفكره وثقافته ممكن يكون بيضيف قد إيه للي حواليه وبيسمعوه في خطبة الجمعة مثلاً… أمنيتي إن في يوم من الأيام كل من يعتلي منبر وفي إيده توصيل رسايل للناس، يبقى زيه…

على الرغم من غضبي الشديد من المفتش بس قادرة أفهم إنه ممكن يكون خايف على نفسه إن مديرينه يطلعوه غلطان (في موقف هو المفروض ما يبقاش عليه غلط من الأساس)… مش بدور له على مبرر لكن بحاول أفهم أسبابه، يمكن في يوم نقدر نمحي الأسباب فتتمحي العيوب دي من حياتنا…

إحساسي بموقف عميد الشرطة يتلخص في الجملة اللي عاليا قالتهالي وإحنا خارجيين من القسم: “أول مرة أحس إن الشرطة بجد في خدمة الشعب!”… نفسي يبقى ده الdefault مش ال exception…

وفي النهاية، هتفضل أمنيتي الدائمة إن اللي يبقى مسئول عن الآثار في مصر يبقى عنده شغف ناحيتها… ماتبقاش مجرد وظيفة مفروضة عليه…

كل سنة وإنتم طيبين…

رحاب رجائي
في 2 يناير 2013

* الكتاب متوافر في دار زاد في ميدان التحرير في القاهرة للي يحب يجيبه

Leave a comment